كتبت السطور التالية ،عندما بدأ أناس كثيرون جدا يحيون الذكرى السنوية لوفاة أحبائهم .ويعتقد كثير منهم أن أحباءهم في هذه
المرحلة موجودون بالفعل في مكان آخر أفضل .وبينما يراقب سكان الشام هجرة طيور الخريف إلى الجنوب ،تهب على الشمال
رياح الحرب .السماء ملبدة بالغيوم ،واألرض مشتعلة ،والغابات محترقة ،وعمال البلدية مستمرون في إزالة األنقاض من على
الرصيف .بدأت حركة هطول األمطار منذ الشتاء الماضي في الظهور من جديد .ويبدو أننا مع غياب المأوى ،سنواجه شتاء
آخر قاسيا .يعرف الفالحون جيدا موعد هطول األمطار ،وهم يتحلون بالصبر بين الفصول ،كما أنهم ينثرون البذور لفصل
الربيع ،وهم مع ذلك ينشئون جيال جديدا من المزارعين.
هناك قلة لم يسمعوا أو يقرأوا عن "ماعوز ينون" .وها هم مراسلو الـ BBCقد سارعوا إلى زيارته قبل أن تنهض
أسرته من أحداث السابع من أكتوبر .والدته بلهة ،وهي بحسب تدريبها :فنانة ومعلمة ،تحب رسم لوحات المندالة .ووالده يعقوب،
وهو وفقا لمهنته :مزارع ،كرس حياته لفالحة األرض .بعد عودتهما إلى الموشاف ،قضى االثنان ليلتهما مع أحفادهما في مدينة
تل أبيب العظيمة .وفي صباح اليوم التالي ،أطلق صاروخ على المنزل الخشبي الذي كانوا يعيشون فيه في نتيف هعسارا.
اشتعلت النيران في المنزل الخشبي واحترق بالكامل وهم بداخله.
لم يتوقف "ماعوز" وهو في أكثر مكان محبب إليه عن تجاوز األزمات وبناء الجسور فوق المياه الطاغية .وعن طريق
هذه الجسور انطلقت جوالته ،وأدخل العمل االجتماعي في قطاع السياحة .وحمل أنشطة السياحة الجديدة إلى الناصرة؛ حيث
افتتح مع عائلة محلية فندق "فوزي عازر" ،وهو أول نزل في المدينة .وبهذه الروح استمر "ماعوز" في إنشاء سلسلة ناجحة
من الفنادق في جميع أنحاء إسرائيل؛ تحمل شعار خيمة "نزل إبراهيم".
في العام الماضي ،كان "ماعوز" يعمل بدوام كامل .وكان بين الحين واآلخر يغادر منزله في أطراف حي بنيامينا،
ذلك المنزل المطل على بستان زيتون رحب؛ لينشر دعوته ويبلغها إلى كل من يلقي سمعه في جميع أنحاء العالم؛ داخل إسرائيل
وخارجها .كان من بين مستمعيه أعضاء في وسائل اإلعالم والحكومة ،ورؤساء دول ،ورجال دين ،ونشطاء سالم ،وغيرهم.
حتى البابا [كان من بين مستمعيه] .لم يكن "ماعوز" يعتلي فقط المنابر ليطالب بوضع حد للحرب الحالية ،بل كان يفكر في
المستقبل .يسعى كل يوم إلى تحقيق الوفاق بين سكان البالد.
كان يفعل ذلك صباح يوم األحد قبل أسبوعين ،وفي ذلك اليوم أطلقت مئات الصواريخ على شمال البالد" .ماعوز"
الذي كان من المفترض أن يسافر إلى باريس خالل ساعات قليلة ،ولم يكن حزم حقيبته بعد ،جلس ليتحدث إلينا عبر تطبيق
.Zoomكنا قبل المحادثة نفكر في شكل اللقاء .لكننا أدركنا مساء أمس أننا لسنا مهتمين بإجراء لقاء معه -إننا نريد الحوار؛
ألن اللقاء عادة ما يكون له إطار وحدود واضحة ،أما الحوار الصادق والمفتوح فيمكن أن يأخذنا إلى أماكن غير مخطط لها،
وربما غير متوقعة.
"ماعوز" الذي ينتمي كرها إلى األسرة اإلسرائيلية الفلسطينية الثكلى ،فقد أمه وأبيه في صباح أحد األيام .ومع ذلك ،فإن أصوات
الثأر واالنتقام لم تتملكه على اإلطالق .واآلن ونحن في منتصف شهر إيلول ،شهر الغفران ،يناشد "ماعوز" كل من له أذن
تصغي وتسمع أن يسامح .وبينما يدور الصراع بين ما هو شخصي وما هو جمعي ،بين البيت الخاص والبيت الوطني ،وفي
غياب المأوى ،بالتزامن مع وجود أزمة عميقة في واقع اللغة ،فتح لنا الحوار مع "ماعوز" نافذة -أو ربما أنشأ من وراء ذلك
شبكة -إلى لغة جديدة.
حوار مع "ماعوز ينون" عن أحداث العام الماضي ،عن معنى أن تكون رب أسرة في ظل الخسارة ،وعن معنى الرجولة
والتسامح.
أوال ،كيف أنت؟
ماعوز :أنا فعال بخير .في نعم كثيرة .سأسافر إلى باريس الليلة.
هل ما زلت في إسرائيل؟
ماعوز :نعم .سأسافر إلى باريس اليوم .لدي لقاءات عديدة .أكتب ،وأفكر ،وأعمل ،وأعد ما يلزم ألحداث السابع من أكتوبر.
أحاول العمل في المنزل .نصف ونصف .هل أنجح؟ [ينظر إلى ابنته الصغيرة التي مرت في الخلفية] لقد حصلت للتو على
صديق عزيز لي يصلح النوافذ ،ويرتب منزلي ،واألشياء التي كانت تنتظر لفترة طويلة -النوافذ وما شابه .لقد ركضت أيضا
هذا الصباح ،هناك مكان رائع للركض هنا .أعيش في بيت أبعد ما يكون عن الذكريات ،فأرى من خالل النافذة بستان الزيتون.
أعيش في بنيامينا منذ 18عاما ،واليوم -في جولتي حول مقلع بنيامينا -ركضت لمسافة ستة كيلومترات .في بنيامينا لم تطلق
صافرة إنذار واحدة منذ بداية الحرب .أنا أركض ،ليس كل صباح .لكنني أحاول فعل ذلك ثالث مرات في األسبوع .وفي اليوم
الذي ال أركض فيه ،أحاول القيام بتمارين التمدد في المنزل ،واليوجا ،وأداء تمارين رياضية حرة.
اعتقدنا أنك بالفعل في باريس .على أي حال ،كنا سنسألك عن المؤتمر الذي ستحضره .هل تريد أن تقول شيئا عنه؟
ماعوز :في باريس هناك مؤتمر تنظمه بعض أنشطة السالم .الحقيقة هي أنه ليس لدي أي فكرة …ليس لدي أي فكرة على
اإلطالق عما يحدث .الممتع هو أنني ال أملك السيطرة التامة .هذا هو الجمال .عندما أكون خارج البالد ،دائما ما يعتني بي
شخص ما ،فيحدد لي أين أذهب وماذا أفعل .أنا ببساطة أصل إلى المكان ،فأقدم العرض باذال كل ما في وسعي .يخبرونني متى
يكون اإلفطار ،ومتى يكون االجتماع التالي .أعلم أن مساء الغد سيكون هناك مؤتمر في قاعة جميلة في باريس ،يشارك فيها
ألف شخص .وهناك متحدثون ممتازون آخرون؛ منهم :أميرة إبراهيم ،وألون لي جرين ،وروال داود من حركة "نقف معا".
وسيكون هناك أيضا شريكي عزيز أبو سارة ،باإلضافة إلى إسرائيليين وفلسطينيين آخرين .سيكون لدي أربع دقائق للتحدث.
لقد أمضيت األربع دقائق في الجري اليوم .ال أرى أني حتى سأكتبها لذا سأتذكرها حتى الغد.
بعد إذنك ،نود أن نعود إلى البداية .إنكم حتى في األيام األولى منذ السابع من أكتوبر ،اجتمعتم أيها اإلخوة معا وتقدمتم برسالة
واضحة إلى جميع األطراف .ومع أنك كنت في بداية مأساة شخصية كبيرة ،وألم وحزن ال نهاية له ،انطلقت في رحلة .لقد
اخترت مواصلة إرث والديك من خالل الدعوة إلى إنهاء الحرب ووقف نزيف الدم بين النهر والبحر .ومن هذا الحزن الكبير
صنعتم أيها األخوة لغة جديدة .هل يمكنك أن تصف لنا هذه العملية؟ماعوز :بالنسبة لي ،السابع من أكتوبر ليس مهما.
بمعنى؟
ماعوز :بالنسبة لي ،ال أعيش أحداث السابع من أكتوبر ،مع أن الناس جميعا يريدون ذلك .األجهزة هنا تريدنا أن نستمر في
العيش منذ السابع من أكتوبر -أنا ال أؤمن بذلك .في البداية ،أود أن أقول :إنه ال يمكن لشيء أن يهيئك ليوم كهذا .أن نفقد كال
الوالدين ،وأصدقاء الطفولة ،وآباءهم ،وأطفالهم الذين يقتلون أو يختطفون إلى غزة .ال شيء يمكن أن يهيئك .أدركت أنني كنت
مخطئا .لقد هيأتني حياتي كلها ،لم تهيئني وحدي ،بل هيأت عائلتنا لليوم السابع من أكتوبر .لقد جئنا مهيأين .إن الذي أعدنا
بالطبع هم آباؤنا ،لقد هيأنا آباؤنا للحظة وفاتهم .حدث ذلك فعال ،وعرفنا ما يجب علينا فعله ،وما يجب أن نقوله ،وكيف يجب
أن نتصرف .في اليوم الثاني من أحداث السابع من أكتوبر ،اقترح أخي "ماجن" أن نرسل رسالة عائلية مفادها أننا ال نسعى
لالنتقام .وعندما أفقنا من أحداث السابع من أكتوبر كتبت على تويتر أن هناك اآلن أربع مهام ،أعني أن لدي أربع مهام :وقف
الحرب ،وإعادة المختطفين ،وإسقاط الحكومة ،وإقناع نفسي والجميع بأن المستقبل سيكون أفضل .وفي هذا اإلطار بدأنا العمل،
وسرعان ما قررت أن أركز فقط على المهمة الرابعة -المستقبل .أستطيع أن أوضح هذه الرحلة بحلمين راوداني .في الحلم
األول رأيت طريق السالم ،وفي الحلم الثاني كلمني نجم السالم ودعاني آلتي إليه.
لحظة! قبل أن نتحدث عن هذين الحلمين .واجه كثير منا صعوبة هائلة في وصف الواقع بكلمات ،والتعبير عن تجربتنا الداخلية.
بالنسبة لكثير منا ،يستغرق األمر وقتا طويال لجمع الكلمات وصوغها في عبارة.
ماعوز :لم نكن بحاجة إلى الوقت ،ألن آباءنا هيأونا.
ما معنى أن آباءنا هيأونا؟
ماعوز :كما أقول دائما :كان والدي الذي كان مزارعا دائما ما يقول :الوضع سيء في الحقول الزراعية .بغض النظر عما إذا
كانت تلك الحقول في طرعان أو في النقب ،فالوضع سيء .وسواء كانت هناك فيضانات ،أو كانت هناك مشاكل ،أو كانت هkاك
آفات ،أو كانت هناك موجات حارة أو موجات باردة .فالوضع دائما سيء إلى حد ما .لكنه ،وبالرغم من كون الوضع سيئا،
سوف يزرع القمح في العام المقبل ،ليكون العام المقبل أفضل .هذا هو دوره؛ أن يتأكد من أن هذا العام سيكون أفضل ،وأن
يستشير الخبراء ،وأن يفهم أين أخطأ ،وأن يهيء التربة ،وأن يبذل كل ما في وسعهYk .لدينا االستطاعة والقدرة على تغيير
المستقبل .في أحد األيام ،وأثناء عملية الوعي التي مررت بها ،تمكنت من النظر إلى الخاليا الموجودة في جسدي ،تماما كما
أنظر إليكم اآلن .كل خلية في الجسم لديها نظام تشغيل مدون عليه :إن المستقبل سيكون أفضل .ودور كل خلية في جسدي هو
التأكد من أن حالتها أفضل .هذه قضية أساسية.
وتابع قائال:
"كل أحالمنا يمكن أن تتحقق إذا كانت لدينا الشجاعة على السعي لتحقيقها" ،هذا ما قالته والدتي وهي تعطيني أول مندالة
صنعتها لي ،بمناسبة افتتاح نزل "أبراهام تل أبيب" في عام 2016م .رسمت أمي طوال حياتها آالف اللوحات من المندالة .لقد
بقي األستوديو الخاص بها كما تركته بعد ظهر يوم الجمعة .هذا كتالوج أعدته أختي ألعمال والدتي التي بلغت السبعين من
عمرها .كان هذا قبل ست سنوات .تظهر فيه جميع أعمال والدتي .انظروا!
ينهض "ماعوز" إلحضار الكتالوج ويعود فورا إلى شاشة الـ .ZOOMيقلب الصفحات ،فنرى العشرات من لوحات المندالة
الملونة ،إلى أن يتوقف عند لوحتين .على اليسار لوحة مندالة عليها اقتباس عن الشجاعة ،وعلى اليمين لوحة عليها نجم .يواصل
"ماعوز" وصف حلميه ،ويخبرنا ألول مرة عن حلمه الثاني ،الذي لم يكشف عنه بعد.
منذ ثالثين عاما وأنا أحقق أحالمي .هكذا أعيش .حلمت بمغادرة الكيبوتس عندما كنت في الرابعة من عمري .وظللت لمدة
عشر سنوات ألح على كل أفراد عائلتي ،فلما بلغت الرابعة عشر غادرنا .حلمت بالسفر حول العالم ،فسافرت مرتين .حلمت
بإنشاء نزل في أكبر مدينة فلسطينية في إسرائيل ،فافتتحت نزل "فوزي عازر" ،وهو أول نزل .حلمت بالترويج لمسار للمشي
لمسافات طويلة ،يأتي إليه السياح من جميع أنحاء العالم ،وهو أمر لم يكن موجودا من قبل في إسرائيل ،فأنشأت مع شريك
أمريكي منطقة الـ .Jesus Trailحلمت بافتتاح سلسلة من النزل ،فافتتحت مع شركاء آخرين "نزل أبراهام" .كل األحالم أحققها.
ثم حلمت حلمي :حلم الدموع ،وحلم النجم .انظروا اآلن إلى الكتالوج -على هذا الجانب مندالة األحالم ،وعلى الجانب اآلخر
مندالة النجم .كل شيء مخطط له .ال يوجد شيء هنا بال جدوى.
لقد تحدثت عن حلم الدموع الذي حلمت به خالل أحداث السابع من أكتوبر ،وعن الدموع التي تغسل في البحر الذي يطهر الدم
من األرض ،تحدثت عن ذلك في فيلم رسوم متحركة قصير ،وفي عدة لقاءات .هل يمكن أن تخبرنا عن هذا الفيلم بالتفصيل،
وبخاصة عن الحلم الثاني -حلم النجم؟ لم نسمع عنه حتى األن.
ماعوز :قلما أتحدث عنه .ال داعي للحديث عن الحلم األول ،فقد سبق أن رويته في محادثة مع عزيز أبو سارة على تيد توك
.Ted Talkبعد ليلتين من حلمي األول ،وفي ذروة أحداث السابع من أكتوبر ،جاء حلمي الثاني .المهم ،ويمكنكم وأنا أروي
لكم أن تدونوا ما أقول .إنه لم يكن حلما ،لقد انتابني شعور أنه كالرؤية .لقد كنت أحلم وعيوني مفتوحة .أثناء هذه الرؤية ،كنت
أشعر بألم يسري في جسدي كله وكأنه يمزقني ،كان ألما فظيعا جدا .استيقظت في منتصف الليل من كثرة الدموع ،وإذا بنجم
يتحدث معي .في غرفتي -هناك نجم .سألني إذا كنت أراه .قلت له :نعم.
قال :هل تعرفني؟
قلت له :ال.
قال :هل أنت متأكد أنك ال تعرفني؟
قلت :ال ،أنا ال أعرف نجوما قط.
قال :أنا نجم السالم.
قلت له :حسنا ،وماذا بعد؟
قال :هل تراني؟
قلت :نعم.
قال :إذا فتعال إلي!
قلت :ماذا تقصد بقولك :تعال إلي؟ قال :إن شلوميت هنا تنام بجانبي ،إنه منتصف الليل .قلت :ما معنى تعال إلي"؟
قال :هنا سترى ضوئي .قلت :فلتبدأ المشي.
وهذا ما أفعله منذ تلك الليلة .أعرف بالضبط إلى أين سأذهب ،ألنني سأذهب إلى نجم السالم .إن الدرب الذي أسير عليه هو
طريق ممتاز ،ألنه طريق السالم ،وهي طريق معبدة بالفعل .أنا ال أعرف ما وراء األكمة ،وال ماذا يوجد عبر الوادي ،لكن
الطريق معبدة .أنا ال أرتبك ،وال أخطئ في طريقة مشيتي .ألنني طوال الوقت أرى النجم .إنني عن نفسي أقوم بعمل بسيط.
العديد من الشخصيات المعروفة في التاريخ واألدب خاضوا تجربة االكتشاف بعد األلم الشديد والضياع ،في فترة ما بين الحلم
والحقيقة .توصف بعض التجارب من هذا النوع بأنها صوفية .كيف يمكنك تعريف هذه التجربة؟
ماعوز :كل شخص يمكنه أن يعرفها كما يشاء .أعلم أنني لم أخض مثل هذه التجارب من قبل ،ولم أخضها منذ ذلك الحين.
أستطيع أن أقول :إنني أعتقد أنني لست أول من رأى هذه النجوم ،ولست آخر من سيراها ،أعني رؤية هذا النجم ،وتلك الطريق.
بعض الناس سيخبر عن تجربته بالكلمات ،وبعضهم سيعبر عنها بالمشاعر ،وسيقول آخرون :دعك من هذا الهراء ،ما التغيير
الذي يحدثه النجم أو الطريق؟ كل امرئ وطريقته الخاصة .أنا لست أول من خاض هذه التجربة ،ولست آخر من سيخوضها.
لقد قلت شيئا في البداية ،عن أنك ال تملك السيطرة ،وعن كون ذلك ممتعا للغاية .كل شيء مخطط له ،وليس لديك السيطرة
عليه .يبدو األمر وكأنه نموذج جديد ،لم نشاهده هنا ،للبطولة.
ماعوز :في العام الماضي التقيت أذكى األشخاص الذين يعيشون على كوكب األرض .التقيت علماء وباحثين ،والتقيت البابا
فرنسيس .التقيت أناسا مجانين ،لديهم معرفة عميقة ورؤى .ما الشجاعة؟ ما البطولة؟ البطولة هي بالضبط أن تفعل ما ال يفعله
اآلخرون .إذا قفز الجميع إلى الهاوية ،فهذه ليست بطولة .ربما يكون من الغباء أو نتيجة للضغط االجتماعي أن تلحق بالقطيع.
هذا يلبي احتياجات عناصر شخصيتنا ،وهي عناصر يمتلكها الجميع .البطولة ليست كذلك .البطولة أن تفعل ما تؤمن به ،حتى
لو كنت الوحيد .وهذا عادة ما ال يفعله معظم الناس .إذا فعلت األغلبية ذلك ،لم يعد األمر بطوليا.
أنت ترجع معنى الرجولة إلى جذر البطولة.
ماعوز :ال أرى نفسي بطال ،وال شجاعا .أنا ال أسعى إلى ذلك .أنا ال أقول :إنني جبان ،أو إنني لست شجاعا .فعلى سبيل المثال،
قفزت زوجتي بالمظلة قفزا حرا .لن أفعل ذلك أبدا .سيتعين علي إن أردت ذلك حشد قوى ذهنية هائلة لمجرد الوقوف هناك عند
نقطة االنطالق .أفعل ما أفعله اآلن -إنها طبيعتي ،أفعل ذلك بسهولة.
أنت تقول إنك تفعل ذلك بسهولة .يبدو األمر معقدا للغاية أن تكون قادرا على إدارة ما هو عاطفي مع ما هو عقالني أمام العالم.
هل تسمح لنفسك أيضا باالنهيار إلى حد ما؟
ماعوز :األمر ال يتعلق بي شخصيا .هناك طرق عديدة للتعامل مع الحزن ومع الصدمات ،وجميع الطرق مشروعة طالما أنك
ال تسبب بتعامالتك صدمة لغيرك.
نحن جميعا نعيش تجارب من تداخل القضايا الجمعية في القضايا الفردية ،وتداخل القضايا الفردية في القضايا الجماعية .من
الصعب جدا رسم العالقة بينهما .أثناء كتابة هذه السطور ،هناك قذائف تطلق باتجاه الشمال ،وال تتوقف أصداء االنفجارات ،لذا
كان من الصعب جدا استمرار العمل بشكل طبيعي .ها نحن اآلن نعود للقائنا .كيف يمكن رسم العالقات من جديد؟ كم للعزلة؟
وكم لالجتماعات؟
ماعوز :أنا أرسم شيئا مختلفا تماما .أنا لست بصدد رسم الحدود بين ما هو شخصي ،وما هو جماعي .هذا ال يعنيني .أنا ال أرسم
إال المستقبل .المستقبل فقط هو الذي يهم .لقد بكيت فعال على مليون ضحية بين األردن والبحر .إذا استمر األمر على ما هو
عليه اآلن ،فسيكون مصيرنا كمصيرهم.
بالتأكيد إذا استمر العالم في إرسال المزيد من األسلحة والمزيد من القنابل إلى هنا .فإننا ذاهبون إلى حيث ذهب المليون ضحية
بين األردن والبحر .لماذا؟ سيكون هناك حزن ومعاناة وندم وهم إلى أبعد الحدود .لكننا سنذهب إلى حيث ذهبوا .نحن اآلن في
الهاوية.
بين أمل كبير من ناحية ،ودمار شامل من ناحية أخرى .وأي مكان ال تقفز إليه هو مكان مخيف .لدى كل واحد منا القدرة على
اختيار الجانب الذي يريد القفز إليه .اآلن عليك أن تقرر إلى أين تريد -إلى األمل أم إلى الدمار .لقد اخترت لنفسي .إنني ال أجتهد
وال حتى من أجل ذلك .ال يهمني الحاضر .أنا ال أعيش في الحاضر.
كيف تبدو عالقاتك مع بعض المشاركين اآلخرين في المؤتمر ،مع شركائك في الرحلة؟ كيف تجرون حوارا حول ما يحدث؟
كيف ترون المستقبل؟
ماعوز :عميرة وإبراهيم من مشروع ,The Third Narrativeعلى سبيل المثال ،هما توأما روحي .هما مثل أوالدي ،أو
إخوتي الصغار .وهما أيضا أصغر مني بكثير .لقد فقدت والدي ،لكنني اكتسبت وربحت الكثير من اإلخوة واألخوات ،ليس من
الفلسطينيين فقط .كان ذلك محببا إلي .إننا نشكل من العالم بأسره سبطا وحركة عالمية للسالم والمصالحة .نحن ال نتفق دائما،
بل نختلف ،وربما تجري بيننا حوارات صعبة .ممتاز .نحن نتحدث عن ذلك .أتذكر ذات مرة أننا التقينا لتناول القهوة في تل
أبيب بعد أحداث السابع من أكتوبر .في هذا اللقاء تبادلوا طرح قضايا صعبة ،وكذلك فعلت حتى بكيت .لقد بكيت بشدة .وكأننا
كنا معا طوال حياتنا.
هل من الممكن التحدث عن هذا الحوار الصعب الذي دار بينكم؟
ماعوز :أنا ال أجادل ،وليس لدي ما أماري فيه .فالجميع عندي على حق .ولذلك أسألهم :صحيح ،من الواضح أنك على حق،
ومن الواضح أنك اخترت الجانب الصحيح .ألنه ليس هناك أي شك مطلقا في أنك اخترت ما هو صواب .واآلن أسأل :هل تريد
وقف إراقة الدماء وإنهاء الصراع؟ أم تريدها أن تستمر؟ إذا كنت ترغب في االستمرار -عظيم ،استمر في أفعالك ،وسوف تؤدي
بك إلى النتائج نفسها .وإذا أردت إنهاء الصراع ووقف دوامة الدم والكراهية واالنتقام -فاختر السالم .وهكذا .اآلن إما أنك معنا،
وهذا رائع ،فهلم نعمل معا .أو أنك لست معنا .فنحن ما زلنا ،وسنظل دائما منفتحين على أي شخص .نرحب دائما بالجميع
وندعوهم إلى اال نضمام إلينا في هذه الرحلة ،سواء اختاروا اآلن أن يكونوا على حق ،أو اختاروا اآلن العنف .ال بأس ،لقد
سامحت [وعفوت عن] الجميع.
لقد ذكرت مفهوم العفو عدة مرات .نحن في شهر ايلول شهر المغفرة .على هذه الخلفية ،هل يمكنك مشاركة مشاعرك عن
العفو؟ ما هو العفو في الحقيقة؟
ماعوز :العفو هو الطريق إلى الحرية .في شهر إيلول نطلب العفو ممن آذيناهم .أنا في الحقيقة الهوتي يهودي منذ نعومة
أظفاري .ولكننا ال بد من االرتقاء -لنعفو عمن ألحق بنا األذى .ألن الذي آذانا فعال أخذ مصيرنا بين يديه ،وهو حاليا يتحكم في
مصيرنا .نريد االنتقام والمعاقبة .نحن نعيش األلم الذي سببه لنا ونعيش الظلم .وهذا ظلم مستعر .إنه ألم كبير .لقد سجننا في
الواقع .إن الذي يؤذينا إنما يسجننا في حياة الصدم ة واأللم والخسارة واالنتقام والحزن .هذا كل شيء ،نحن سجناؤه .أنا أقترح
ما يناسبني ،وأستطيع أن أقول ما فعلته ،ومع ذلك فكل واحد سيفعل ما هو أفضل بالنسبة له .لقد اخترت العفو التام .لقد عفوت
عن الجميع ،في الماضي والحاضر .تركيزي اآلن منصب على المستقبل .اليوم أنا إنسان حر ،وسعيد ،ومبدع .أشعر بالحب.
وهذا مذهل بالنسبة لي .أنا لست تايلور سويفت ،ولست ممثال كبيرا ،كما أنني لم أفز بجائزة برنامج األخ األكبر .أنا ببساطة أقدم
الدواء -الذي نجع معي -لآلخرين .إنه قرار يمكن لكل واحد منا كفرد أن يتخذه لنفسه أوال وقبل كل شيء.
نحن ال نحب كلمة "تلخيص"؛ وعليه فنحن نود أن يطول الحوار بيننا .في الوقت الحالي ،في أي نقطة كنت ستسعد بالبقاء؟
ماعوز :سأقول مثل هذه الجملة الخالبة؛ أرجو فعال ونحن اآلن في أكتوبر ،حيث كان والدي طوال ستين عاما ،يهيئ الحقول،
ليزرع في نوفمبر .هذا هو بالضبط ما يتعين علينا فعله .نحن بحاجة إلى تهيئة الحقول ،وتهيئة قلوبنا جميعا؛ للبدء في زرع
األمل والمصالحة والسالم.